There are no discussions in this story yet. Why don't you create one?
There are no announcements yet.
Maria Alexandrova - updated story, تعرف على المدينة البلغارية المحملة بالكنوز التاريخية
عند ضفّة نهر ماريستا وعلى مسافة 152 كيلومترًا من العاصمة البلغارية صوفيا تقع مدينة يشهد التاريخ على أصالتها إنها بلوفديف واحدة من أجمل مدن أوروباالقديمة، حاضنة الكنوز التاريخية.
كما اليرقة اختبأت بلوفديف في شرنقتها لتخرج فراشة تحلّق في فضاء العالم الأوروبي تفاخر بجمال ألوان أجنحتها التي لم يحرقها تقشف الشيوعية التي رزحت تحت نظامهاعقودًا طويلة، بل عادت هذه المدينة إلى العصر محمّلة بكل أسرار عظمة التاريخ وكنوزه.
كما روما كانت بلوفديف ترتاح وسط 7 هضاب، تآكلت منها اثنتان بسبب المحاجر التي قضمتها عبر القرون. يعود تاريخ هذه المدينة إلى سنة 4000 قبل الميلاد، حين دبّت الحياة في مستوطنة العصر الحجري الحديث. لذا يقال إنها واحدة من أقدم المدن في أوروبا وكذلك أقدم مدينة سكنها الإنسان، حتى أنها كانت تنافس أثينا.
سكن المستوطنة التراقيون Thracian وتحوّلت إلى مدينة يونانية رئيسية عرفت بـ بفيليبوبوليس في عهد ملك مقدونيا فيليب الثاني والد الإسكندر الكبير الذي اجتاح المدينة عام 342 قبل الميلاد، ثم أصبحت إحدى أهم المدن الرومانية، ومنذ ذلك الوقت وبلوفديف مدينة متناغمة مع إيقاع التاريخ المتغيّر.
لا تزال أصداء التاريخ السحيق تهمس خلف سياج منطقة الحفريات في وسط بلوفديف، ملمّحة إلى الأعمدة الرومانية المشيّدة على أطلال التراقيين عند منحدر التلّة، حيث تسير في شوارع ضيّقة حلزونية ملتفة صعودًا نحو التلة، لمدينة قديمة عرفت نهضة عمرانية دليلها هذه الشوارع المرصوفة بالحجارة التي تأخذك نحو الأعلى بحثًا عن تاريخها، فتجد نفسك تنزلق نحو الدروب المظلّلة حتى تصل إلى المسرح الروماني في قلب بلوفديف.
المسرح الروماني وهمس التاريخ
هنا في المسرح الروماني تدخل في لعبة الرجوع بالزمن إلى ما قبل التاريخ المكتوب الذي تشرف بلوفديف عليه، وكأنها تتلصص على مجد التاريخ القابع في أحضانها. يأخذك المسرح إلى عصر الرومان فتجد نفسك تتقمص إحدى شخصياته، تجلس على المدرج المتحلّق حول الحلبة البيضوية وتتخيل الألعاب التي كانت تجرى هنا.
من صمت التاريخ تخيل هتاف الجمهور لمشهد معركة بحرية، وتنحبس الأنفاس عندما يحاول مصارع روماني صيد أسد، أو إعادة تمثيل المعارك الشهيرة أو مشهد درامي لأسطورة رومانية.
كل هذا يحدث في مخيلتك مدعمًا بالأعمدة الشاهقة المغلّفة بالرخام الأبيض. ولكن يمكن أن تعود إلى الحاضر وتشاهدي عرضًا موسيقيًا فتصدح في أرجاء المكان سمفونية تحملك إلى عالم بلوفديف الجميل.
قلب المدينة وأروقتها التي تنطق بكل تفاصيل التاريخ
تترك المسرح وعالمه وتتوجّه إلى قلب المدينة التاريخي الذي يحكي بصمت نشوء بلغاريا التي أسّسها السلافيون عام 681 فتحوّلت في عهدهم إلى مدينة ذات ثقل استراتيجي وأصبحت قلعة حدودية مهمة للإمبراطورية البيزنطية.
ترجّح الحكم في بلوفديف بين البلغاريين والبيزنطيين على مدى قرون، ثم جاء العثمانيون عام 1364 وسيطروا عليها تحت قيادة لالا شاهين باشا وبقيت عاصمة روميليا حتى عام 1382 حين استولى العثمانيون على صوفيا التي أصبحت المدينة الرئيسية للمقاطعة.
تحضن المدينة 200 معلم تاريخي راهنًا، ثلاثون منها لها أهمية وطنية. فبلوفديف من المدن القليلة التي لديها مسرحان تاريخيان، أبراج وأسوار تعود إلى القرون الوسطى، حمّامات ومساجد تركية وأحياء قديمة جميلة تخترقها شوارع ضيقة مرصوفة بالحجارة وأبنية متراصّة تتباهى بأناقة هندستها المعمارية وبألوانها الجميلة المزينة بعوارض الخشب، حاضنة بذلك نوستالجيا رقيقة لعصر النهضة البلغارية.
أما الأطلال الرومانية فتكاد تكون في كل مكان، بعضها خرج إلى النور يستعرض أبهته فيما بعضها الآخر لا يزال مطمورًا ينتظر دوره في إبهار العصر الحديث.
الوسط التجاري والمدينة العتيقة وأسواقها تدفعك للتسوّق بشغف
بالتجوال في شارع المشاة الرئيسي سوف تلاحظ مجموعة كبيرة من البوتيكات التي تعرض لدور الأزياء العالمية، فضلاً عن الأزياء لأصحاب الميزانية المحدودة. اللافت هنا أن الأسعار أقل مما هي عليها في العاصمة صوفيا والمدن الأوروبية الأخرى.
صحيح أن شارع كنياز ألكسندر Knyaz Alexander هو الشارع التجاري الرئيسي ولكن هناك شوارع جانبية أخرى تتفرّع منه، الأسعار فيها منخفضة.
أمّا إذا كنت تريد حمل تذكارات بلغارية فعليك التوجّه إلى المحال التجارية في المدينة العتيقة وتحديدًا على طول شارع سابورنا Saborna حيث تجد Gadgets مغناطيسية وأعمال السيراميك التي تشتهر بها بلغاريا والصحون الملونة والمزخرفة برسوم مشغولة يدويًا، ولوحات زيتية، كل هذا وسط شوارع ضيقة ومقبّبة، فتشعر أنك وسط عالم القرن التاسع عشر وكأنك في متحف مفتوح لا تأبه معروضاته لمزاج الطبيعة مهما كان.
بعد التسوق لا بد لك أن ترتاح في أحد مقاهي الرصيف المنتشرة عند أقدام البيوت العتيقة المتجددة وتستمتع بالروابي التي تزنّر المدينة.
وإذا ما زرت بلوفديف لا يمكنك تفويت زيارة كيومدزيوغلو Kuyumdzioglu وهو تحفة معمارية تعود إلى عام 1847. شُيّد المنزل على النمط الباروكي، وكان مالك المنزل تاجرًا ثريًا جدًا أراد منزلاً يبتاهى به أمام أبناء طبقته الإجتماعية، ترك بلوفديف بعد ثورة التحرير البلغارية، وقد شُغل المنزل لأهداف عدة إلى أن تحوّل متحفًا Ethnographic Museum of Plovdiv.
لقد خرجت بلوفديف من كواليس التاريخ التي عاشت فيها زهاء مئة عام لتكشف للعالم مدينة جميلة نابضة بالحياة والألوان والتاريخ والفن والثقافة، تغيرت أسماؤها من أومولبياس في زمن التراقيين، وفيليبوبوليس في عهد اليونانيين ثم بولبيديفا عندما استعادها التراقيون، إلى فيليب في عهد العثمانيين لتعود وتستقر على اسم بلوفديف، لتكون عاصمة للثقافة الأوروبية عام 2019.